اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية: نحو سوق أفريقي موحد وفرص تجارية واعدة
المقدمة
تمتلك القارة الأفريقية ثروات طبيعية وبشرية هائلة تفتح لها مجالًا واسعًا نحو تحقيق التنمية الاقتصادية في القارة ، فنجد أن أفريقيا تمتلك نحو 8% من الغاز الطبيعي في العالم، و12% من احتياطي النفط في العالم، مما يُعدّ رصيدًا كبيرًا يجعل من أفريقيا فاعلًا مهمًا في أسواق الطاقة العالمية. وتعد مصدرًا لنحو 30% من احتياطات العالم من المعادن، حيث يوجد بها نحو 40% من الاحتياطي العالمي من الذهب، بالإضافة إلى امتلاكها حوالي 90% من احتياطيات الكروم والبلاتين. كما تعد أفريقيا موطنًا لأكبر الاحتياطيات العالمية من الكوبالت، والماس، واليورانيوم. علاوة على ذلك، تحتوي القارة على 65% من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة عالميًا، إلى جانب امتلاكها 10% من الموارد المائية العذبة المتجددة الداخلية.[1] وإلى جانب هذه الثروات، تتميز القارة بكتلة سكانية ضخمة تبلغ أكثر من 1.5 مليار نسمة (نحو 17% من سكان العالم)،[2] يشكّلون قوة ديموغرافية هائلة، غالبيتهم من فئة الشباب، مما يُوفّر سوقًا استهلاكيًا واعدًا وقوة عمل ضخمة، تُعزز من فرص النمو والتصنيع.
ورغم هذه الثروات الهائلة التي تشكل قاعدة أساسية للصناعات التحويلية وتعزيز الصادرات، إلا أن مساهمة أفريقيا في التجارة العالمية لا تتجاوز 1.8%وتعتمد معظم الدول الأفريقية على تصدير المواد الخام، حيث تمثل نحو 45% من إجمالي صادرات القارة، بينما لا تمثل السلع الرأسمالية والسلع تامة الصنع سوى نحو 6% و22% على التوالي من إجمالي الصادرات ، مما يعكس ضعف القدرات الصناعية والتحويلية داخل القارة .[3]
علاوة على ذلك، تظل التجارة البينية بين الدول الأفريقية محدودة ولا تتعدى 15%،[4] ما يعكس تحديات هيكلية تعيق التكامل الاقتصادي، لذلك جاءت اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول القارة، وتحفيز سلاسل القيمة الإقليمية، وزيادة رفاهية الشعوب الأفريقية عبر إزالة الحواجز التجارية الجمركية وغير الجمركية وتعزيز التصنيع المحلي.
وفي هذا الإطار تقدم المدونة نظرة شاملة عن اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)، مستعرضة أهميتها في تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول القارة مع استعراض للتحديات التي تواجه تطبيق الاتفاقية، وما يتوجب على صناع السياسات التدخل لمواجهته، لإن التنفيذ الفعال للإتفاقية يتوقف على تلك الخطوات. كما تسلط المدونة الضوء على دور مصر البارز في تعزيز التجارة الأفريقية تحت مظلة (AfCFTA)، مع ذكر المكاسب الاقتصادية المتوقعة، والفرص التصديرية الواعدة لمصر في القارة.
نظرة مستقبلية على الآثار الاقتصادية للاتفاقية على القارة الأفريقية
تمثل اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) إحدى المبادرات السياسية البارزة التي أطلقها الاتحاد الأفريقي ضمن إطار أجندة 2063 لإزالة القيود الجمركية وغير الجمركية بين دول القارة، و تهدف تحقيق التحول الاجتماعي والاقتصادي في أفريقيا على مدى خمسون عامًا. ترتكز هذه الاستراتيجية على تعزيز التجارة البينية الأفريقية، التي سوف تصب في تحقيق
الازدهار الاقتصادي، والتكامل الإقليمي، والسلام في القارة. وتستند في ذلك إلى القوة الديموغرافية لأفريقيا، بهدف دعم حضورها الديناميكي على الساحة العالمية.
كما تسعى إلى تعزيز تدفقات الاستثمار داخل القارة من خلال تفعيل بروتوكول الاستثمار، الذي يُمثل الإطار القانوني والتنظيمي لتهيئة بيئة أكثر شفافية وعدالة وحماية للمستثمرين. ويُعد كل من التجارة والاستثمار من المحركات الأساسية للنمو الاقتصادي، خاصة في الدول النامية. ستغطي هذه الاتفاقية سوقًا قاريًا يضم أكثر من مليار نسمة، ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي له أكثر من 3 تريليون دولار. وبذلك ستصبح منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية ثاني أكبر تجمع اقتصادي على مستوى العالم بعد منظمة التجارة العالمية.[4]
وتهدف الاتفاقية إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الأفريقية من خلال تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، أبرزها: الإلغاء التدريجي للحواجز الجمركية وغير الجمركية التي تعترض التجارة في السلع، والتحرير التدريجي للتجارة في الخدمات، والتعاون بشأن الاستثمار وحقوق الملكية الفكرية وسياسة المنافسة، والتعاون في المسائل الجمركية وفي تنفيذ تدابير تيسير التجارة، وإنشاء آلية لتسوية المنازعات فيما يتعلق بالحقوق والواجبات، وإنشاء إطار مؤسسي لتنفيذ وإدارة منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية وضمان إستمراريته.
كما تٌشير تقديرات مجموعة البنك الدولي إلى أن اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية لديها القدرة على تعزيز التجارة البينية الأفريقية بنسبة 52.3%، حيث ستزيد الصادرات بشكل عام بين دول القارة بنحو 81%، وبصفة خاصة بنحو 110% من الصادرات الصناعية بحلول 2035.[5] وبالإضافة إلى تعزيز انسياب حركة التجارة البينية بين الدول والتجمعات الأفريقية، سيسهم تحرير تجارة السلع والخدمات بين الدول الأفريقية إلى تسهيل إقامة مشروعات استثمارية مشتركة وتكاملية بين دول القارة، فإن تحرير التجارة بين الدول الأفريقية سوف يسهم في زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القارة بمعدل يتراوح بين 111% و159%، وتهيئة فرص سوقية لتعزيز التصنيع في أفريقيا من خلال تحسين سلاسل القيمة المضافة الإقليمية.[6] [7]
من المتوقع أيضًا أن تنتشل الاتفاقية 30 مليون شخص من براثن الفقر المدقع بحلول عام 2035 [8] ، وأن تساهم في توسيع حجم الاقتصاد الأفريقي إلى ما يصل إلى 29 تريليون دولار بحلول عام 2050، مما يجعلها عنصرًا أساسيًا في دفع عجلة النمو الاقتصادي والاستقرار في أفريقيا.[9]

الوضع الحالي لتطبيق الاتفاقية
رغم التوقعات الواعدة حول قدرة اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) على إحداث تحول اقتصادي شامل في القارة، فإن تحقيق هذه المكاسب يتوقف على مدى نجاح تطبيق الاتفاقية على أرض الواقع. فعلى الرغم من دخولها حيز التنفيذ رسميًا، لا يزال التطبيق على أرض الواقع يواجه تحديات عديدة. لذلك، من الضروري استعراض الوضع الحالي لتطبيق الاتفاقية، ورصد مدى التقدم المحرز حتى الآن. ويمكن تلخيص المراحل التي مرت بها اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) فيما يلي [10] [11] [12]:

أهمية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية لمصر
كانت مصر من أوائل الدول التي وقعت على الاتفاقية مع 43 دولة أفريقية أخرى في مارس 2018، وأودعت وثيقة التصديق في أبريل 2019. إلى جانب ذلك، تمكنت مصر خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي في عام 2019 من تسريع دخول الاتفاقية حيز النفاذ في شهر مايو من نفس العام. وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن الإطلاق الرسمي للاتفاقية بعد أربعة سنوات من المفاوضات في قمة الاتحاد الأفريقي بالنيجر في يوليو 2019، كما أطلق 5 أدوات تشغيلية لتعزيز تنفيذ الاتفاقية، وهم: آلية قواعد المنشأ، منتدى التفاوض عبر الإنترنت، آلية رصد وإزالة الحواجز غير الجمركية، نظام تسوية المدفوعات، ومرصد التجارة الأفريقي.

وعلى مستوى التطبيق، فكانت مصر من أوائل الدول التي بادرت بالتجارة الفعلية في إطار الاتفاقية تحت مظلة مبادرة التجارة الموجهة في أكتوبر 2022، وقد تم الاشادة بدور مصر البارز في تنفيذها، وتلعب مصر دورًا محوريًا في تحقيق التكامل الأفريقي؛ خاصة وأن لديها طاقات لتصدير المنتجات والمشروعات الاستثمارية لأفريقيا، حيث أنها من الدول التي لديها شركات قوية في مجال المقاولات والبنية التحتية، وأنها من الدول الكبرى المنتجة والمصدرة للصناعات الدوائية التي تحتاجها القارة الأفريقية. وتجدر الإشارة إلى أن مصر كانت صاحبة المبادرة الأولى لمعرض التجارة البينية الأفريقية (IATF)، حيث استضافت النسخة الأولى منه في ديسمبر 2018،[13] والنسخة الثالثة في نوفمبر 2023،[14] ونجحت في تنظيمه بصورة متميزة.
- المكاسب التي ستعود على مصر من الاتفاقية
تُمثل القارة الإفريقية بُعدًا أساسيًا في توجهات مصر، وستجلب الاتفاقية لمصر العديد من المكاسب الاقتصادية، حيث يٌعد التوجه العام لمصر هو تحقيق الاندماج والتكامل مع الدول الأفريقية وتعزيز التعاون معها، مما يضمن لمصر حضورًا قويًا في محيطها الأفريقي على المستويات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية. كما تبني الاتفاقية على النجاحات المحققة فعليًا في إطار اتفاقية الكوميسا، وتسهم في زيادة فرص نفاذ الصادرات المصرية إلى الأسواق الأفريقية، بالاضافة إلى فتح أسواقًا جديدة ومتنوعة لصادرات مصر، خاصة في دول غرب أفريقيا، حيث لا يوجد إطار تفضيلي للتجارة بين مصر وتلك الدول في الوقت الحالي، وبالتالي تزداد تنافسية المنتج المصري في تلك الأسواق نتيجة وجود إعفاءات جمركية.
تمثل الاتفاقية أيضًا فرصة واعدة لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر، من خلال تقديمها كمنصة استراتيجية للنفاذ إلى الأسواق الأفريقية. إذ يُمكن للمستثمرين الأجانب، وبصفة خاصة من أوروبا وآسيا، الاستفادة من المزايا التي توفرها الاتفاقية، عبر إنشاء مصانع ومراكز توزيع في مصر لتصنيع وتصدير منتجاتهم إلى 54 دولة أفريقية بدون رسوم جمركية.ويسهم ذلك في فتح آفاق جديدة للتعاون الاستثماري، ويعزز من مكانة مصر كمحور صناعي وتجاري إقليمي يخدم السوق القاري الموحد، ويزيد من قدرتها على استقطاب الاستثمارات المرتبطة بسلاسل القيمة الإقليمية.
إضافة إلى ذلك، يُتوقع أن تزيد فوائض موازين التجارة بين مصر والدول الأفريقية، مع خفض تكاليف الإنتاج للمنتجات المصرية بفضل إمكانية الحصول على المواد الخام من أفريقيا بدون رسوم جمركية أو برسوم مخفضة.
- الفرص التصديرية أمام مصر في أفريقيا
تمتلك مصر فرصًا تصديرية كبيرة في الأسواق الأفريقية، تُقدر بحوالي 6.7مليار دولار، منها 4 مليارات دولار هي فرص تصديرية غير مستغلة بالكامل. وتعكس هذه الأرقام إمكانيات هائلة لنمو الصادرات المصرية نحو القارة الأفريقية، التي تشهد تحولًا اقتصاديًا وزيادة في الطلب على مختلف المنتجات. ومع التطور المستمر في اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)، تزداد هذه الفرص، خاصة في ظل التزام الاتفاقية بتقليل الحواجز الجمركية وتسهيل حركة البضائع بين الدول الأفريقية.
القطاعات والمنتجات الواعدة التي تمتلك مصر فيها فرصًا تصديرية غير مستغلة
- أهم القطاعات الفرعية التي تمتلك مصر فيها فرصًا تصديرية غير مستغلة إلى السوق الأفريقي هي: البلاستيك والمطاط بفرصة تقدر ب 528 مليون دولار، يليها صناعة الأسمدة بفرصة تقدر بحوالي 378 مليون دولار، ثم قطاعي الكيماويات والأغذية بفرصة تصديرية تقدر بـ 326 مليون دولار و 282 مليون دولار على الترتيب، وأخيراً الملابس الجاهزة ظهرت بفرصة تصديرية تقدر بـ 229 مليون دولار.

الفرص التصديرية لمصر في الدول التي أبلغت جاهزيتها لتطبيق مبادرة التجارة الموجهة
مع تزايد عدد الدول الأفريقية المستعدة للالتزام باتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)، تبرز فرص واعدة لتعزيز الصادرات المصرية إلى 16 سوقًا أفريقيًا جاهزًا للتطبيق الفعلي للاتفاقية، مما يفتح آفاقًا واسعة للمنتجات المصرية للاستفادة من الإعفاءات الجمركية والتسهيلات التجارية، وبالتالي رفع قدرتها التنافسية. يمثّل هذا الانفتاح فرصة حيوية للنمو الاقتصادي في مصر عبر الوصول إلى أسواق جديدة، خاصة في القطاعات التي تتمتع فيها مصر بميزة تنافسية، ما يساهم في تعزيز التكامل الاقتصادي مع دول القارة وتحقيق مزيد من التعاون الاقتصادي الإقليمي، ويتضح ذلك في الجدول الآتي:

المصدر: خريطة الفرص التصديرية

المصدر: خريطة الفرص التصديرية
ويمكن للشركات المصرية تطبيق الاتفاقية بشكل فوري مع تلك الدول والاستفادة من التخفيضات الجمركية في المنتجات التي تمتلك فيها فرص تصديرية غير مستغلة، من خلال استخدام شهادة المنشأ الخاصة بالاتفاقية، والتي يتم استخراجها من قبل الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات. كما يعد اتفاقية البنك المركزى في 2024 للمشاركة في نظام الدفع والتسوية الإفريقي PAPSS خطوة هامة في تعزيز التبادل التجاري من خلال تيسير المدفوعات والتحويلات التجارية بين مختلف الدول الافريقية مع خفض التكلفة والوقت اللازمين.
الجهود الدولية المطلوبة لضمان التنفيذ الفعّال لاتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية
بالرغم من الأهمية الكبرى لاتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية في تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول القارة، إلا إنه لضمان نجاح الاتفاقية في تحقيق أهدافها وتعظيم الاستفادة منها، يتطلب على الدول الأعضاء اتخاذ خطوات بعض الخطوات الفعّالة، والتي تشمل:
- تحقيق التوازن بين المصلحة الوطنية وأهداف التكامل الإقليمي
يعد التكامل الإقليمي الأفريقي ضرورة لمواجهة التحديات العالمية، حيث يمثل قاطرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القارة، ويتطلب تحقيق التكامل الاقتصادي دون الإضرار بالمصالح الوطنية للدول الأفريقية تعزيز الحوار المشترك، وتطوير آليات تعويض مناسبة للدول التي تواجه تحديات في تحرير التجارة.
تأتي بعض المبادرات لتعزيز هذا التوازن، ومنها الصندوق الأفريقي لدعم التكيف مع التجارة (AfCFTA Adjustment Fund) في إطار اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، حيث يعمل الصندوق كأداة مالية لتخفيف الآثار السلبية على القطاعات والجماعات الضعيفة التي قد تتأثر بزيادة المنافسة أو تغيرات السوق، وتشمل آليات الدعم تقديم تمويل لتعزيز الإنتاج المحلي، دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير برامج تدريبية لتعزيز تنافسية القوى العاملة. من خلال هذه المبادرات، يسهم الصندوق في تحقيق التوازن بين تعزيز التكامل الاقتصادي وحماية المصالح الوطنية، مما يعزز التنمية المستدامة في القارة.”[15]
- توحيد المعايير التنظيمية
إن توحيد المعايير واللوائح التنظيمية بين الدول الإفريقية كما في إجراءات الجمارك، ومتطلبات التأشيرات، والتعريفات الجمركية، سوف ينتج عنه تحسين سرعة وكفاءة العمليات التجارية ويقلل من تكلفة الشحن. وفي إطار ذلك تسعى الدول الأفريقية إلى تفعيل نظام تسوية المدفوعات الأفريقي (PAPSS)، ويهدف إلى تسهيل التجارة بين الدول الإفريقية من خلال تمكين المعاملات المالية عبر الحدود باستخدام العملات المحلية بدلًا من الاعتماد على العملات الأجنبية مثل الدولار أو اليورو.[16] [17]
- توسيع مشاركة القطاع الخاص بالتعاون مع هيئات ضمانات الصادرات
تلعب شركات القطاع الخاص في أفريقيا دورًا هامًا في تعزيز العملية الإنتاجية. ويُعد نحو 90٪ من شركات القطاع الخاص في أفريقيا هي شركات صغيرة ومتوسطة الحجم وتسهم بتوظيف نحو 60٪ من العمالة في القارة، ومع ذلك تواجه هذه الشركات تحديات تعيق قدرتها على التصدير، لذلك من الضروري للحكومات الأفريقية تبني سياسات مالية واقتصادية داعمة، وتعزيز بيئة الأعمال.
في هذا السياق يُعد التعاون بين القطاع الخاص وهيئات ضمان الصادرات أحد الأدوات الفعالة لتعزيز الصادرات من خلال تقديم التأمين التجاري وتحسين فرص التمويل. على سبيل المثال، نجد أن المغرب حققت نموذجًا ناجحًا في تعزيز صادرات القطاع الخاص، من خلال تشجيع التعاون مع هيئة ضمان الصادرات المغربية SMAEX، حيث قامت بتوفير تأمين ائتماني يغطي مخاطر عدم الدفع من المستوردين، علاوة على ذلك قامت بالتعاون مع البنوك المغربية لمنح قروض ميسرة للمصدرين في المغرب.[18] [19]
- تعزيز آليات الإنفاذ الإقليمية
تعد آليات الإنفاذ الإقليمية عنصرًا أساسيًا لضمان الامتثال للاتفاقيات التجارية المبرمة بين الدول الأفريقية، حيث تسهم في تقليل النزاعات التجارية وخلق بيئة تجارية واستثمارية مستقرة. ومع ذلك، تواجه الدول الأفريقية تحديات مرتبطة بغياب سلطة إشرافية مركزية تضمن امتثال الدول الأعضاء للمعاهدات واللوائح التنفيذية، مما قد يؤدي إلى انتهاكات تجارية غير منظمة. لذلك، يصبح تفعيل آليات الإنفاذ الإقليمية ضرورة ملحة لضمان استدامة التكامل الاقتصادي في القارة. [20] على سبيل المثال، يوفر بروتوكول تسوية النزاعات ضمن اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) إطارًا قانونيًا واضحًا لتسوية النزاعات بين الدول الأعضاء، مما يعزز الثقة في النظام التجاري ويشجع على الامتثال للاتفاقيات الموقعة. [21]
- تطوير البنية التحتية
يمثل تطوير البنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية عنصرًا حاسمًا في تعزيز التكامل الاقتصادي في أفريقيا، حيث يعد أساسًا لنجاح تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA). ويؤدي الاستثمار في شبكات النقل الحديثة إلى تسهيل حركة
التجارة، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتعزيز تدفق السلع والخدمات بين الدول الأعضاء، مما يعزز القدرة التنافسية للقارة على المستوى العالمي. وفي هذا الإطار، يعد تحسين كفاءة النقل وتوسيع بنيته التحتية خطوة ضرورية لمواكبة التطورات المتسارعة في التجارة الإقليمية. فرغم التحديات الحالية، توفر مشاريع تطوير الطرق، السكك الحديدية، الموانئ، والممرات المائية فرصًا كبيرة لخفض تكاليف النقل، وتقليل الزمن المستغرق في حركة البضائع، ودعم سلاسل التوريد داخل القارة.
وتشير التوقعات إلى أن التنفيذ الكامل لاتفاقية AfCFTA سيؤدي إلى زيادة الطلب على الشحن بجميع أنواعه بنسبة 28% بحلول عام 2030، مما يستلزم تعزيز أسطول النقل الأفريقي ليشمل حوالي 2 مليون شاحنة، 250 طائرة، أكثر من 100.000 قطار، وأكثر من 100 سفينة. ومن خلال التوسع في الاستثمارات اللوجستية وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، يمكن لأفريقيا أن تحقق نقلة نوعية في بنيتها التحتية، مما ينعكس إيجابيًا على تحقيق التنمية المستدامة، وخلق فرص عمل جديدة، وزيادة القدرة التنافسية للأسواق الأفريقية.
البنية التحتية الرقمية
على الرغم من التحديات التي تواجهها البنية التحتية الرقمية في بعض الدول الحبيسة الأفريقية، فإنها تمثل فرصة هائلة لدفع عجلة التنمية وتعزيز التكامل الاقتصادي. ومع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة، تبرز الحاجة إلى توسيع نطاق التحول الرقمي ليشمل مختلف القطاعات، مما يسهم في تحسين بيئة الأعمال، وتسهيل التجارة، وتعزيز الشمول المالي.
وفي هذا السياق، تسعى العديد من الدول الأفريقية إلى تعزيز الاستثمارات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مما يتيح فرصًا أكبر لاستخدام التجارة الإلكترونية، النوافذ الواحدة الإلكترونية، الحكومة الإلكترونية، والتمويل الرقمي. وتدعم هذه التقنيات خفض التكاليف التشغيلية، تسريع العمليات التجارية، وتعزيز الكفاءة في المعاملات المالية، مما يسهم في إطلاق الإمكانات الاقتصادية غير المستغلة في القارة.[22]
مراجع
[1] برنامج الأمم المتحدة للبيئة، https://www.unep.org/ar/regions/africa/mlna-fy-afryqya.
[2] ECA, https://www.uneca.org/stories/(blog)-as-africa%E2%80%99s-population-crosses-1.5-billion,-the-demographic-window-is-opening-getting
[3] Patricia Augier, Export-led Manufacturing Growth and GVC’s across Africa: An Overview, fondation pour les études et recherches sur le développement international, https://ferdi.fr/dl/df-94eQtM45ho7RrR1wfkuftBgi/ferdi-wp347-export-led-manufacturing-growth-and-gvc-s-across-africa-an-overview.pdf
[4] AUC, https://aps.aucegypt.edu/ar/articles/1422/afcfta-can-a-trade-agreement-unlock-africas-potential-help-us-be-as-one
[5] AUC, 28 August 2024, AfCFTA: Can a Trade Agreement Unlock Africa’s Potential, Help Us Be as One? https://aps.aucegypt.edu/ar/articles/1422/afcfta-can-a-trade-agreement-unlock-africas-potential-help-us-be-as-one
[6] World Bank, Making the Most of the African Continental Free Trade Area: Leveraging Trade and Foreign Direct Investment to Boost Growth and Reduce Poverty, https://openknowledge.worldbank.org/entities/publication/09f9bbdd-3bf0-5196-879b-b1a9f328b825
[7] محمد محمد إبراهيم، أبريل 2023، افاق التكامل الاقتصادي الافريقي في ظل تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية الافريقية، مجلة روح القوانين، العدد 102، https://las.journals.ekb.eg/article_264706_b7a8033f70eb273462e26a33a15c53bc.pdf
[8] World Bank, https://www.worldbank.org/en/topic/trade/publication/free-trade-deal-boosts-africa-economic-development
[9]الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، https://www.investinegypt.gov.eg/Arabic/pages/AgreementDetails.aspx?id=30
[10] Maria Daniel, The development of the AfCFTA: Where did it start?, Trade Unions and Trade in Africa, https://tradeunionsinafcfta.org/the-development-of-the-afcfta-where-did-it-start/
[11] International Trade Centre, https://www.macmap.org/offlinedocument/AfCFTA/Discover_AfCFTA_ITC_16122022.pdf
[12] التمثيل التجاري المصري
[13] التمثيل التجاري المصري
[14] Egypt Expo & Convention Authority, http://www.eeca.gov.eg/arabic/iatf1-023.htm
[15] Africa Briefing, https://africabriefing.com/afcfta-adjustment-fund-corporation-established-to-support-
[16] التمثيل التجاري المصري
[17] Papss, https://papss.com/ar/about-us/
[18]SMAEX, https://www.smaex.com/presentation.html
[19] Policy Centre for the New South, Trade Policy in Morocco: Taking Stock and Looking Ahead, https://www.policycenter.ma/sites/default/files/2023-05/Rapport%20-%20BM%20-%20PCNS%20Moroccan%20Trade%20Policy%2008-05-2023.pdf
[20] Olorunfemi Akinduyite, December 2024, THE AFCFTA: LEGAL CHALLENGES IN PROMOTING REGIONAL INTEGRATION AND TRADE FACILITATION, Available at: https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=4992323
[21]African Union, https://au.int/sites/default/files/treaties/36437-treaty-consolidated_text_on_cfta_-_ar.pdf
[22] Gift Mugano, August 2023, Data for Governance Alliance Policy Brief No.13: The African Continental Free Trade Area: Challenges and Possible Remedies, https://dataforgovernance.africa/wp-content/uploads/2023/11/the-african-continental-free-trade-area-challenges-and-possible-remedies.pdf
لا تعليقات