مقدمة:
تعد ظاهرة التغيرات المناخية من أهم المشاكل البيئية الناجمة عن زيادة الأنشطة البشرية وزيادة استهلاك الطاقة غير المتجددة، الأمر الذي يشكل تهديدات عديدة على الاقتصاد العالمي والأمن الدولي وتنمية المجتمعات؛ حيث يشهد العالم معدلات غير مسبوقة من ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة، لذلك قد تبنت 197 دولة اتفاق باريس في مؤتمر الأطراف 21 في باريس عام 2015؛ لمواجهة تغير المناخ وآثاره السلبية، حيث تستهدف الاتفاقية إلى الحد بشكل كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين مع السعي إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة.[1] كما اعتمدت نحو خمسين دولة آليات لتسعير الكربون[2]؛ ومع ذلك، فإن متوسط سعر الكربون على الصعيد العالمي لا يتجاوز دولارين للطن، وهو غير كاف إلى حد كبير لتقييد الانبعاثات وتحقيق هدف الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.[3]
وقد أطلق الاتحاد الأوروبي أول نظام في العالم لفرض ضريبة حدودية على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من المنتجات المستوردة ذات البصمة الكربونية العالية، مثل الحديد والصلب والأسمنت والألومنيوم والأسمدة، كإحدى الآليات للوفاء بالتزامات اتفاق باريس للمناخ، وذلك لمنع المزيد من المنتجات الأجنبية الملوثة من عرقلة محاولته للتخفيف من حدة التغيرات المناخية، وتوجيه الدول المصدرة لهذه المنتجات وخاصة الدول النامية على اتباع عملية إنتاج أقل ضرراً للمناخ. مما يتطلب اتخاذ إجراءات على جميع المستويات وتوفير الأدوات المالية للحد من التغيرات المناخية، إذ تعتبر “ضرائب الكربون” إحدى تلك الأدوات الجديدة لتحقيق هذه الأهدف والمساعدة على تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن الفحم وغيره من أنواع الوقود الأحفوري الملوثة.
وعلى الرغم أنه من المقرر ان تدخل هذه الضريبة حيز التنفيذ اعتبارا من عام [4]2026، إلا أن الإعلان يمثل بداية المرحلة الأولية من آلية تعديل حدود الكربون CBAM، والتي ستطلب من مستوردي الاتحاد الأوروبي الإبلاغ عن انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن تصنيع وإنتاج السلع المذكورة أعلاه.
وتهدف هذه الآلية لوضع كل من المصنعين في الخارج والمصنعين الأوربيين على قدم المساواة؛ حيث يتعين على المصنع الأوروبي شراء تصاريح الانبعاثات من سوق الكربون في الاتحاد الأوروبي إذا ساهم في التلوث البيئي.
مستهدفات تطبيق آلية تعديل حدود الكربون CBAM
يستهدف الاتحاد الأوروبي بآلية تعديل حدود الكربون مواجهة ظاهرة تسرب الكربون والتي تحدث عندما ينقل المصنعون الأوروبيون الإنتاج إلى دول ذات معايير بيئية أقل صرامة مما يؤدي إلى زيادة في إجمالي الانبعاثات الكربونية العالمية، وفقدان حصة من السوق الأوروبي لصالح المنافسين الأجانب، وتهديد فاعلية سياسات الحد من انبعاثات الكربون العالمية.
بالإضافة إلى ذلك تستهدف الآلية دعم عملية الانتقال إلى الطاقة المتجددة؛ حيث تسعى الدول الأوروبية إلى تعزيز عملية التحول إلى الطاقة النظيفة وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 55% خلال العقد الجاري مقارنة بعام 1990 وتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، حيث تعد آلية الـ CBAM واحدة من الخطوات الرائدة في مكافحة تغير المناخ وهي سياسة حاسمة تهدف إلى الحد من الآثار السلبية للاحتباس الحراري[5].
إلى جانب ذلك تتضمن مستهدفات تطبيق الـ CBAM تعزيز قدرة الصناعات المحلية في الدول الأوروبية على مواجهة المنافسة مع المنتجات الرخيصة نسبيًا المستوردة من دول لا تفرض رسومًا على الانبعاثات الكربونية.[6]
نظام تطبيق آلية تعديل حدود الكربون CBAM
يقوم نظام تطبيق آلية تعديل حدود الكربون CBAM على تنفيذ 4 خطوات:
-
- تقييم محتوي الكربون وحسابته عنطريق تحديد الغازات المنبعثة خلال المراحل المختلفة لعملية التصنيع.
- تحديد سعر الكربون لانبعاث تلك الغازات وذلك سيتم تحديده وفقا لسعر الكربون المحلي للبلد أو للمنطقة المُستورِدة.
- استخراج شهادات الـ CBAM ؛ حيث يجب على المستوردين شراء شهادات معادلة لمحتوى الكربون[7] في وارداتهم.
- وصول السلع إلى البلد أو المنطقة المستوردة وستكون المصالح الجمركية هي الجهة المسؤولة عن التحقق من سعر الكربون للسلع المستوردة، ومن ثم تبدأ فرض ضريبة حدود الكربون المناسبة بناءً على شهادات الانبعاثات التي يقدمها المستورد.
ومن الجدير بالذكر أنه من الوارد أن تختلف خطوات تنفيذ آلية الـ CBAM طبقاً لقوانين كل دولة وتشريعات كل منطقة.[8]
الصناعات التي ستتأثر بسبب آلية تعديل حدود الكربون CBAM
من المتوقع أن تؤثر آلية الـ CBAM علي العديد من الصناعات و المنتجات خاصة الصناعات شديدة الانبعاثات الكربونية و تأتي في مقدمة هذه الصناعات صناعة الحديد والصلب، والأسمنت، والأسمدة، والألومنيوم، والكهرباء، والهيدروجين. بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن يقوم CBAM بتوسيع نطاقه ليشمل جميع المنتجات التي يغطيها نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي، وبناء عليه تم اقتراح ضم المواد الكيميائية والبوليمرات إلى الآلية بحلول عام 2026. [9]
انعكاسات قرار الاتحاد الأوروبي بفرض ضريبة تعديل حدود الكربون
أثارت آلية تعديل حدود الكربون CBAM التي فرضها الاتحاد الأوروبي معارضة من بعض الدول النامية والشركات المصدرة حول العالم؛ وذلك لأن هذه الآلية لا تأخذ في الاعتبار أولويات وظروف العمل المناخي والتنموي في هذه الدول، بالإضافة إلى ذلك ستؤثر هذه الضريبة على أنشطة الشركات في بعض الصناعات التي تستهدفها CBAM، مما سيؤثر بالسلب على صادرات هذه الدول وبالتالي نموها الاقتصادي[10]، بالإضافة لذلك يشير تقرير التنمية والتجارة لعام 2023 انه من غير العادل أن تتحمل الدول الفقيرة النامية نفس التكلفة التي تتحملها الدول الغنية المتقدمة عند فرض ضريبة هذه الآلية الجديدة.[11]
وتعد مصر من الدول المتوقع تأثرها سلبا عند تطبيق هذه الآلية؛ حيث تشكل الصادرات التي تقع ضمن نطاق الـ CBAM 10% من إجمالي الصادرات المصرية إلى العالم[12]، والتي تمثل نحو 0.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي المصري.[13]
أما على مستوى الاتحاد الاوروبي، فإن هذه الصادرات تستحوذ على ما يقرب من 20% من إجمالي صادرات مصر إلى الاتحاد الأوروبي[14]، والتي وصلت إلى 12.313 مليار دولار في العام المالي 2022/2023.[15]

التحديات التي تواجه مصر عند تطبيق الـ CBAM
تعتمد صادرات مصر إلى الاتحاد الأوروبي بشكل كبير على المنتجات المستهدفة من قِبَل ال CBAM، لذلك فإن حجم صادرات مصر إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي فضلاً عن كثافة الكربون في الاقتصاد المصري، يزيد من المخاطر والتأثير السلبي المحتمل على مصر. ويمكن تلخيص أهم التحديات المتوقع أن تواجهها مصر فيما يلي:
-
- تعتمد مصر على الغاز الطبيعي كمصدر أساسي للطاقة، والذي يستخدم في العمليات الصناعية المختلفة وينبعث منه غازات كربونية، مما يؤدي إلى زيادة المخاطر المرتبطة بالتأثير السلبي لـCBAM .
- من المتوقع أن يؤثر CBAM سلبا على القدرة التنافسية للشركات والمنتجات المصرية في السوق الأوروبية نظراً لكثافة الكربون في الصادرات المصرية.
- آلية السياسة الجديدة تزيد من المخاطر المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة في مصر، بما في ذلك الجهود المبذولة لزيادة استدامة المناخ.
- يمثل CBAM تحدي كبير أمام القطاعات الستة المستهدفة في مصر، خاصةً صناعات الأسمدة والأسمنت والألومنيوم؛ فعلى سبيل المثال يتم توجيه حوالي 79% من صادرات مصر من الألومنيوم نحو سوق الاتحاد الأوروبي.

-
- تأتي مصر كثاني أكبر دولة مصدرة للأسمدة إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2023، حيث تستحوذ مصر على 5% من إجمالي صادرات الأسمدة إلى الاتحاد الأوروبي ،مما يوضح التحدي الذي تشكله آلية تعديل حدود الكربون CBAM على هذه الصناعة في مصر بمجرد تطبيقها بالكامل[1].

-
- ستتأثر صادرات مصر بتطبيق الـ CBAM؛ حيث أصدر البنك الدولي تقرير يشير إلى أنه من المتوقع حدوث انخفاضات في صادرات قطاعات الكهرباء، والنفط، والكيماويات (خاصة الأسمدة) بنسبة 8.3٪ و 4.3٪ و 3.9٪ على الترتيب.[1]
الفرص المتاحة أمام مصر لمواجهة الـCBAM
على الرغم من التحديات التي يمكن أن تواجهها الصادرات المصرية، يمكن النظر إلى آلية تعديل الكربون CBAM كفرصة أمام مصر يمكن استغلالها لاستحواذ السوق الأوروبي. وتتمثل الفرصة في الآتي:
-
- مصر لديها انبعاثات كربونية أقل من نظائرها من الدول؛ حيث تبلغ انبعاثات الكربون في مصر حوالي 0.6٪ من إجمالي الانبعاثات، مقارنة بـانبعاثات الكربون في الصين والهند التي تبلغ 18.8٪، و4.9٪ على الترتيب. [2] وفي إطار سعي مصر لإزالة الكربون من سلاسل القيمة، حققت مصر مجموع نقاط يبلغ 79 في مؤشر سياسات وأنظمة الطاقة المستدامة وهو أعلى مما حققته منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.[3]
- قرب الموانئ المصرية من دول الاتحاد الأوروبي.
- تعدد مصادر الطاقة المتجددة في مصر والتوسع في المشروعات القومية لإنتاج الطاقة النظيفة. على سبيل المثال:
-
- إنشاء مجمع بنبان للطاقة الشمسية في أسوان الذي يهدف إلى تحسين الوصول إلى الطاقة النظيفة، وتعزيز التنمية الاقتصادية المحلية، والحد من استهلاك الوقود الأحفوري.[4]
- إصدار قرار للاستبدال الجزئي الإلزامي للوقود البديل في قطاع الأسمنت ليحل محل نسبة من الفحم المستورد في 2021 حيث تسعى الدولة لخفض محتوى الكلنكر في الأسمنت بنسبة تصل إلى 80%.[5]
- إنشاء مشروع طاقة رياح بمجمع خليج السويس علي ساحل البحر الأحمر، في أوائل عام 2023.[6]
- إنشاء مشروع التحكم في التلوث الصناعي – المرحلة الثالثة (EPAP III) بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، والوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، وبنك الاستثمار الأوروبي، وبنك التعمير الألماني (KFW).، لدعم الصناعات المصرية لتحقيق الالتزام بالقوانين البيئية عن طريق منح قروض ميسرة للشركات لتوفيق اوضاعها البيئية، بمنحة تصل الي 10 – 20 % بتمويل حوالي 145 مليون يورو.[7]
- توقيع 7 اتفاقيات مع مطورين عالميين (شركات باش جلوبال، وسمارت إنرجي، والتوكل جيلا، وإيه إم إم باور، ويونايتد إنرجي جروب، وتحالفي “جاما كونستركشن وميريديام”، و”إس كي إيكو بلانت – سي سك شمال إفريقيا”) في مجالي الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة بقيمة 40 مليار دولار.[8]
أهم التوصيات والسياسات المقترحة
تساهم كافة العوامل المذكورة أعلاه في إعطاء مصر ميزة تنافسية للتحول أسرع نحو تطبيق آلية تعديل حدود الكربون وحصولها على حصة سوقية أكبر في الصادرات للاتحاد الأوروبي.
وفي هذا الصدد، يجب على مصر وضع سياسات ومعايير خاصة بها لتنفيذ العمل المناخي والتنموي بما يتماشى مع أولويات الدولة، ويدعم من إمكاناتها، ويزيد من قدرتها التنافسية. وتتمثل هذه الإجراءات في الآتي:
-
- البدء الفوري في تخفيف الانبعاثات في الصناعات التي تستهدفها الآلية في سياق الانتقال العادل. لذلك سيتعين على القطاعات الصناعية في مصر زيادة قدرتها الفنية فيما يتعلق بإجراءات المراقبة والإبلاغ والتحقق الخاصة بـ CBAM خاصة في الـ 6 قطاعات المستهدفة.
- إدراك أهمية التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومصر بشأن إنشاء أسواق الكربون الطوعية[9] التي تمكن مصر من استغلال أرصدة الكربون لخفض الانبعاثات ومن ثم زيادة القدرة التنافسية لمنتجاتها.
- مشاركة الاتحاد الأوروبي في بناء القدرات في الدول النامية كمصر وتوفير التمويل والمساعدة التقنية لمشروعات الطاقة النظيفة لديها بما يساعدها على تقليل الانبعاثات الكربونية من القطاعات الصناعية عالية الانبعاثات.[10]
- توثيق البصمة الكربونية للسلع المصرية المصدرة مما يزيد من القدرة التنافسية للصادرات المصرية في أسواق الاتحاد الأوروبي.[11]
[1] Word Bank. “Country Climate and Development Report”. 8 November 2022. Available on: https://documents1.worldbank.org/curated/en/099510011012235419/pdf/P17729200725ff0170ba05031a8d4ac26d7.pdf
[2] Regulatory Indicators for Sustainable Energy. Egypt. Available on: https://rise.esmap.org/country/egypt-arab-rep
[3] Regulatory Indicators for Sustainable Energy. Egypt. Available on: https://rise.esmap.org/country/egypt-arab-rep
[4] الأمم المتحدة. “مشروع ضخم لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بأسوان بالتعاون بين مصر والأمم المتحدة”. 25 يناير 2024. متاح على: https://shorturl.at/eABL3
[5] فرج. وائل. “جهود الدولة المصرية للحد من الانبعاثات الكربونية”. مركز الاهرام للدراسا السياسية والاستراتيجية. 25 أكتوبر 2022. متاح على: https://acpss.ahram.org.eg/News/17652.aspx
[6] خريطة مشروعات مصر. متاح على: https://shorturl.at/knqI0
[7] وزارة البيئة. متاح على: https://www.eeaa.gov.eg/Project/102/Details
[8] الهيئة العامة للاستعلامات. 28 فبراير 2024. متاح على: https://shorturl.at/rxB25
[9] أسواق الكربون الطوعية: هو سوق يمكن من خلاله للشركات والحكومات والأفراد شراء وبيع الاعتمادات التي تمثل تخفيضات في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، يمكن استخدام هذه الاعتمادات لتعويض الانبعاثات التي لا يمكن تقليلها بوسائل أخرى، من خلال تنفيذ مشاريع خفض الانبعاثات في أجزاء أخرى من العالم، مثل تركيب مصادر الطاقة المتجددة أو تنفيذ تدابير كفاءة الطاقة أو زراعة غابة. – المركز العربي لاستدامة العمل الأهلي.
لا تعليقات