المقدمة
تشمل السياسة الصناعية التدخلات الحكومية المصممة لتعزيز تنافسية ونمو الصناعات المحلية من خلال إجراءات مثل التعريفات الجمركية، القيود التجارية، والإعانات. تمتد جذور السياسة الصناعية تاريخيًا إلى القرن الرابع عشر. وقد اكتسبت هذه الممارسة زخمًا كبيرًا في القرن العشرين حيث اعتمدت العديد من الدول سياسات لحماية وتطوير صناعاتها. ومع ذلك، أدى صعود النيو ليبرالية في العقود الأخيرة إلى التركيز على المنافسة في السوق الحرة وتقليل الحواجز التجارية، مما أدى إلى تراجع استخدام السياسات الصناعية[1]. وقد عزز إنشاء منظمة التجارة العالمية في عام 1995 هذا الاتجاه من خلال تشجيع التجارة العالمية غير المنظمة[2]  [3].

في الآونة الأخيرة، شهدت السياسة الصناعية انتعاشًا كرد فعل لجائحة كوفيد-19، والتوترات الجيوسياسية، وأزمة المناخ. حيث تقوم الكثير من الدول الآن بتطبيق السياسات الصناعية، ولكن بتوجهات استراتيجية لضمان استقرار سلاسل التوريد، وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتعزيز القدرات التكنولوجية. [4] [5]

ولطالما دار الجدل بين الاقتصاديين حول إيجابيات وسلبيات السياسة الصناعية. فمن جهة، يمكن لهذه الإجراءات معالجة الإخفاقات السوقية، مثل تلك المتعلقة بتغير المناخ وتطوير التكنولوجيا وتعزيز التنافسية. ومن جهة أخرى، تعتبر السياسة الصناعية مكلفة وقد تؤدي إلى مشاكل مثل الفساد وسوء إدارة الموارد. بالإضافة إلى أثارها السلبية عابرة الحدود، وزيادة خطر الحروب التجارية بين الدول وتقويض عملية النمو والتنمية الاقتصادية فى البلاد[6].

ومن ثم ارتأت ضرورة مراقبة السياسات الصناعية المطبقة في مختلف البلدان لتقييم تأثيرها على الأعمال التجارية. وقد تعاون صندوق النقد الدولي مؤخرًا مع “المراقبة العالمية للتجارة” “Global Trade Alert” لمتابعة التطورات من خلال تدشين مرصد السياسات الصناعية الجديدة  (NIPO) New Industrial Policy Observatory كخطوة أولى لفهم الموجة الجديدة من السياسات الصناعية.

أظهرت نتائج مرصد NIPO أنه في عام 2023 تم تنفيذ أكثر من 2500 اجراء حكومي ذات صلة بالسياسات الصناعية حول العالم. ومن بين هذه الاجراءات، كان أكثر من الثلثين يتسبب في تشويه التجارة. [7]

وتتعارض السياسات الصناعية التي تشوه التجارة بشكل مباشر مع الهدف الرئيسي لمنظمة التجارة العالمية وهو تقليل الحواجز التجارية وضمان تكافؤ الفرص لجميع الدول الأعضاء، حيث يمكن أن تؤدي السياسات الصناعية إلى نزاعات تجارية، وتدابير انتقامية، وانهيار الإطار التجاري التعاوني الذي تسعى منظمة التجارة العالمية للحفاظ عليه.

في جوهر الأمر، بينما قد تخدم السياسات الصناعية -التي تؤثر سلبا على التجارة- المصالح الوطنية الحالية، فإنها تتعارض مع الأهداف الأوسع للعولمة ورسالة منظمة التجارة العالمية التي تهدف إلى تحرير التجارة وتعزيز بيئة تجارية مستقرة وقابلة للتنبؤ.
تقدم هذه المدونة تحليلًا متعمقًا لمجموعة بيانات مرصد السياسات الصناعية الجديدة وما يوفره من رؤى حول الاتجاهات الناشئة في السياسات الصناعية الجديدة. كما يستعرض أداء مصر ضمن هذا الإطار ويستكشف كيف يمكن للبلاد الاستفادة من نتائج هذا المرصد لرسم وتنفيذ سياسة صناعية أكثر فعالية، مما يمكّنها من تحقيق نمو مستدام وتعزيز قدرتها التنافسية.

مراقبة السياسات الصناعية

تُعد مراقبة السياسات الصناعية أمرًا بالغ الأهمية لأنها أصبحت جانبًا مهمًا من جوانب العولمة الحديثة. تقليديًا، كانت الأسواق هي التي تحدد أين يتم تصنيع وبيع السلع بناءً على الكفاءة. ومع ذلك، أصبحت الحكومات الوطنية الآن أكثر اهتمامًا بضمان وجود التكنولوجيا والتقنيات الحديثة داخل حدودها. لذلك، تلجأ الحكومات إلى التدخلات السياسية الموجهة فى الصناعة، والمعروفة بالسياسات الصناعية.

بالنسبة للشركات، فإن تتبع جميع التغييرات في السياسات يعد مهمة صعبة. ويزيد من حالة عدم اليقين عدم وجود منظمة دولية تراقب الإجراءات المتعلقة بالتغيرات او التدخلات على السياسات الصناعية. ومن ثم جاء مرصد السياسة الصناعية الجديدة (NIPO) كخطوة أولى للتغلب على هذه المشكلة. ويُعد مرصد NIPO قاعدة بيانات مراقبة تهدف إلى تتبع التطورات في السياسات الصناعية الجديدة. [8] والهدف الرئيسي من هذه المبادرة هو تعزيز الشفافية فيما يتعلق بتطبيق السياسات الصناعية. وبينما قد تجد الحكومات والمحللون هذه المعلومات مفيدة لتقييم تأثير السياسات الصناعية، فإن المديرين التنفيذيين للشركات سيجدون محتوى المرصد مدخلاً قيِّمًا لاتخاذ القرارات الاستراتيجية والتشغيلية.

يتم تسجيل الاجراءات الحكومية في قاعدة بيانات NIPO باعتبارها سياسة صناعية إذا توفرت في هذه الاجراءات الخصائص التالية:

 

    • أن يكون تم الإعلان عن الإجراء أو تنفيذه بدءا من 1 يناير 2023.
    • أن يمثل الإجراء خطة استراتيجية تؤثر على النشاط التجاري، أو سياسة أو لائحة أصدرتها الدولة، أو يتضمن تدخلات محددة تتعلق بشركات معينة ناتجة عن تنفيذ سياسة أو لائحة، مثل القرارات المتعلقة بالموافقة على الاستثمار الأجنبي المباشر أو منح الإعانات.
    • أن يكون الدافع من الإجراء-كما تم الإعلان عنه من قبل الحكومة المنفذة- أحد العناصر التالية: مخاوف تتعلق بالأمن القومي، اعتبارات جيوسياسية، تأمين سلاسل التوريد، القدرة التنافسية الاستراتيجية، أو التخفيف من تغير المناخ.

السياسة الصناعية الجديدة: الاتجاهات الرئيسية

في عام 2023، سجل مرصد NIPO أكثر من 2500 إجراء حول العالم، منها 71% (1,806 إجراء) تؤثر سلبا على التجارة وتؤثر على تدفقات التجارة الدولية والكفاءة الاقتصادية.

وبالنظر إلى إجراءات السياسة الصناعية التي تشوه التجارة، أظهرت النتائج الرئيسية أن الدول المتقدمة هي الأكثر استخداما لهذه الإجراءات، وبشكل عام فإن تقديم الدعم المحلي للشركات هو الإجراء الأكثر استخداما في السياسة الصناعية لكل من الدول المتقدمة والنامية. يتضح أيضا أن الدافع الرئيسي للدول لتنفيذ إجراءات السياسة الصناعية المشوهة للتجارة هو تعزيز القدرة التنافسية الاستراتيجية. أما على مستوى القطاعات يتضح أن الجزء الأكبر من إجراءات السياسة الصناعية يستهدف قطاع المنتجات مزدوجة الاستخدام أو التي لها استخدامات مدنية وعسكرية.

 

أولاً: الاقتصادات المتقدمة مقابل الاقتصادات النامية

كانت الولايات المتحدة والصين والهند من أبرز مستخدمي السياسات الصناعية خلال العقد الماضي، تليها ألمانيا والبرازيل. ومن الأمثلة البارزة على هذه الاجراءات، قانون خفض التضخم وقانون الرقائق والعلوم في الولايات المتحدة، والصفقة الخضراء الأوروبية وبرنامج أوروبا الرقمية في الاتحاد الأوروبي، إلى جانب برنامج “صنع في الصين 2025”. [9]

تظهر قاعدة بيانات المرصد أن الاقتصادات المتقدمة تستخدم السياسات الصناعية بشكل كبير، حيث نفذت هذه الدول 71% من الاجراءات التي تؤثر سلبا على التجارة في عام 2023. في المقابل، مثلت الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية 29%فقط من هذه الاجراءات.[10]

على النقيض من ذلك، جاءت الجزائر في أدنى الترتيب مسجلة إجراءً واحدًا فقط. وتُعد جمهورية مصر العربية من بين الدول الأقل تبنيًا للسياسات الصناعية، حيث سجلت خمسة إجراءات فقط في المرصد خلال الفترة المذكورة.

 


 

يتم تنفيذ إجراءات السياسة الصناعية من خلال مجموعة متنوعة من الأدوات، يوضح مرصد NIPO أن الاقتصادات المتقدمة تميل إلى الاعتماد على أدوات مثل المنح المالية المباشرة، القروض الحكومية، وأشكال أخرى من المساعدات الحكومية، بينما تفضل الاقتصادات النامية التعريفات الجمركية على الواردات، القروض الحكومية، والتخفيف الضريبي. وبشكل عام، تعتمد هذه الاقتصادات على سياسات تقيد التجارة من خلالالقيود على الواردات أو الصادرات، والتي لا تعتمد على النفقات المباشرة من ميزانية الحكومة الامر الذي يشير إلى دور الفجوة في القدرة المالية بين المجموعتين.

 

 

ثانيا: الدوافع الرئيسية للسياسة الصناعية

بشكل عام كانت تعزيز القدرة على التنافسية الاستراتيجية والتخفيف من تغير المناخ هي الدوافع الأساسية وراء السياسة الصناعية في العالم في عام 2023. وفقا للمرصد فقد تم الإعلان عن الدوافع المحركة ل 474 إجراء، ويتضح أن الإجراءات التي تستهدف التنافسية الاستراتيجية تؤثر على أكبر حصة من الواردات العالمية بنسبة 8.6%، أي ما يعادل 1.51 تريليون دولار أمريكي، تليها الإجراءات المتعلقة بتغير المناخ بنسبة 5.8% (1 تريليون دولار أمريكي) ومرونة سلاسل التوريد بنسبة 4.6% (813 مليار دولار أمريكي). أما الأمن القومي والاعتبارات الجيوسياسية فكانت تمثل أصغر حصة بنسبة 4.2% (735 مليار دولار أمريكي).

بالنظر على مستوى الدول نجد أن التوجهات الفردية للدول تختلف وفقا لمصالحها الوطنية، على سبيل المثال ركزت الولايات المتحدة بشكل كبير على الأمن القومي بنسبة 43% من الإجراءات التي نُفذت في عام 2023. في المقابل، ركز الاتحاد الأوروبي بشكل أكبر على السياسات المتعلقة بالتخفيف من تغير المناخ بنسبة 49%، وعلى مرونة سلاسل التوريد[1].

 


[1] Simon Evenett, “et al.”, “The Return of Industrial Policy in Data”, International Monetary Fund, Jan 2024, Available on: https://www.imf.org/en/Publications/WP/Issues/2023/12/23/The-Return-of-Industrial-Policy-in-Data-542828

 

 

I.                 ثالثا: التوجهات القطاعية

تركز السياسات الصناعية الحديثة بشكل متزايد على القطاعات الحيوية للنمو المستقبلي، والريادة التكنولوجية، والاستدامة البيئية، والسيادة الاقتصادية. تشمل هذه القطاعات التقنيات منخفضة الكربون، والمعادن (مثل الصلب والألمنيوم والمواد الأساسية)، والتقنيات المتقدمة، وأشباه الموصلات، والصناعات المتعلقة بالدفاع[1].

ومع تحول العالم نحو اقتصاد منخفض الكربون، أصبحت التقنيات الخضراء محور اهتمام أساسي، حيث تمثل الإجراءات التي تستهدف التقنيات منخفضة الكربون 15.3% من إجراءات السياسات الصناعية. بالإضافة إلى ذلك، أدت التوترات الجيوسياسية المتزايدة والصراعات إلى زيادة الاستثمارات في تقنيات الدفاع. وبناءً على هذا ففي عام 2023 تم توجيه 257% من إجراءات السياسات الصناعية نحو المنتجات مزدوجة الاستخدام أو التي لها استخدامات مدنية وعسكرية. [2]

وأدت الاختراقات في مجالي الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية إلى تعزيز الاستثمارات الكبيرة في البحث والتطوير لتأمين ميزة تنافسية. وفي الوقت نفسه، تعمل الدول على زيادة إنتاج أشباه الموصلات لدعم التقنيات التي تتراوح من الإلكترونيات الاستهلاكية إلى الأنظمة العسكرية، وذلك لمواجهة الطموحات الصينية. كما أدى وباء كوفيد-19 إلى زيادة كبيرة في الاستثمارات العالمية في التكنولوجيا الطبية، بما في ذلك المنتجات الأساسية مثل الأقنعة الواقية. ونتيجة لذلك، تحظى الاجراءات ذات الصلة بتعزيز التقنيات المتقدمة والمنتجات الطبية وأشباه الموصلات، بالإضافة إلى المعادن الأساسية، بتركيز كبير، حيث تشكل 27% من الإجراءات الإجمالية.

كما لا يزال قطاعي الصلب والألمنيوم يحافظان على وجود بارز في المشهد حيث استهدفت 10.1% من إجراءات السياسة الصناعية الجديدة التي تم تنفيذها تعزيز القطاعين.

 


 

 

مصر: الوضع الحالي والفوائد المحتملة

تتميز الدول النامية بقلة عدد إجراءات السياسة الصناعية التي تنفذها، ويظهر ذلك بشكل واضح في حالة مصر، حيث تم تسجيل خمس إجراءات تجارية سلبية فقط من قبل مرصد NIPO بين 1 يناير 2023 و23 أبريل [1]2024.

اعتمدت مصر على الإجراءات غير المالية، وخاصة حظر التصدير، حيث حظرت تصدير السكر والبصل وأجزاء البطاريات الرصاصية والفواصل. كما وافقت مصر على خطة بقيمة 150 مليار جنيه مصري لدعم القطاعات الصناعية والزراعية.

يُظهر تحليل البيانات من مرصد NIPO أن السياسات الصناعية الحديثة في الدول المتقدمة تعطي الأولوية للأهداف الاستراتيجية مثل تخفيف تغير المناخ، والأمن القومي، وتعزيز القدرة التنافسية الاستراتيجية. ومن ثم لكي تتماشى مصر مع هذه الاتجاهات العالمية، يجب على صانعي السياسات التحول استراتيجيا بعيدًا عن سياسات إحلال الواردات التقليدية كمستهدف للسياسة الصناعية المصرية والسعي إلى معالجة التحديات الأوسع نطاقاً مثل تعزيز القدرة التنافسية، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، وتعزيز المشاركة والمرونة في سلاسل القيمة العالمية. وهو الامر الذي سيمكن مصر من الاستجابة بشكل أكثر فعالية للتحولات الاقتصادية العالمية وتعزيز نموها الصناعي.

حيث تشير الدراسات الحديثة إلى تراجع في الإنتاجية الكلية لعومل الانتاج عبر معظم الأنشطة الاقتصادية في مصر مع استثناءات لوحظت في مجالات مثل النفط الخام والسيارات وبعض قطاعات الخدمات. يظهر هذا التراجع أيضًا في محافظات رئيسية مثل القاهرة والإسكندرية. لا تزال إنتاجية الصناعة في مصر أقل من المتوسط العالمي، وتتأثر بعوامل عدة. على سبيل المثال، يبلغ إجمالي تكوين رأس المال الثابت كنسبة من القيمة المضافة للصناعة التحويلية 15% في مصر، مقارنة بـ22% في ماليزيا ومتوسط 18% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مما يشير إلى الحاجة الملحة لإصلاحات اقتصادية موجهة. يجب أن تركز هذه الإصلاحات على تعزيز الاستثمارات في تحديث المعدات الصناعية، وتحسين الإنتاجية، وتعزيز خلق فرص العمل. [2]

بالإضافة إلى ذلك، يمثل آلية تعديل الحدود الكربونية التي دخلت مرحلتها الانتقالية في 1 أكتوبر 2023 تحديًا كبيرًا لتصميم السياسة الصناعية في مصر. وفقًا لتقرير البنك الدولي حول مصر Country Climate and Development Report، من المتوقع أن تشهد الصادرات، وخاصة في قطاعات الكهرباء والنفط والنقل الكيميائي (بما في ذلك الأسمدة)، انخفاضًا بنسبة 8.3% و4.3% و3.9% على التوالي نتيجة لتطبيق آلية تعديل الحدود الكربونية. ومع ذلك، فإن انبعاثات الكربون المنخفضة نسبيًا في مصر – والتي تشكل 0.6% فقط من إجمالي الانبعاثات العالمية مقارنة بـ18.8% للصين و4.9% للهند – توفر ميزة استراتيجية[3]. ويعزز إمكانات إزالة الكربون في قطاع الطاقة المصري، جنبًا إلى جنب مع إمكاناته الكبيرة في الطاقة المتجددة، القدرة التنافسية للصناعات المحلية في تصدير المنتجات الصديقة للبيئة. وهذا يمكن الشركات المصرية من إنتاج منتجات أنظف بتكلفة أقل، مما يحسن الكفاءة مقارنة بالمنافسين الدوليين.

يجب أن تستفيد السياسة الصناعية المصرية أيضًا من نقاط القوة التنافسية في الأسواق العالمية، كما حددها مؤشر الميزة التنافسية الواضحة (RCA) Revealed Comparative Advantage الصادر عن الأونكتاد. تشمل الصناعات التي تتمتع فيها مصر بميزة تنافسية المنتجات الغذائية، والمشروبات والتبغ، والمنسوجات والملابس، والمنتجات الجلدية، والكيماويات، والمنتجات المعدنية غير الفلزية، والمعادن الأساسية، وهي قطاعات كثيفة العمالة. وهذا يخلق فرصة لتعزيز التوظيف، وتحسين الإنتاجية، وتعزيز مشاركة مصر في سلاسل القيمة العالمية.

لتسريع التقدم، يجب أن تركز السياسة الصناعية المصرية على استثمارات كبيرة في التكنولوجيا، وتطوير المهارات، وتعزيز الروابط مع سلاسل القيمة العالمية من خلال تطوير الصادرات وتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة. يجب أن تترافق هذه الجهود مع سياسات تجارية فعالة تفتح أسواقًا جديدة، وتعزز القدرة التنافسية التجارية لمصر، وتخفف من المخاطر الخارجية مثل تلك التي تفرضها آلية تعديل الحدود الكربونية.

وستلعب السياسات التجارية الفعالة دورًا محوريًا في مواجهة هذه التحديات وتعظيم الفوائد التي تقدمها المزايا الاستراتيجية لمصر. حيث يجب تصميم السياسات التجارية لتعزيز نمو الصادرات، ودعم تنويع الأسواق، وضمان بقاء المنتجات المصرية قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية. من خلال معالجة الحواجز التجارية، وتقليل التعريفات الجمركية، وتعزيز الوصول إلى الأسواق من خلال اتفاقيات تجارية ثنائية ومتعددة الأطراف، يمكن لمصر تعزيز مشاركتها في سلاسل القيمة العالمية وتقوية علاقاتها التجارية. بالإضافة إلى ذلك، سيكون من الضروري مواءمة السياسات التجارية مع الأهداف البيئية ومعايير الاستدامة للتخفيف من تأثير آلية تعديل الحدود الكربونية وضمان تلبية الصادرات المصرية للمتطلبات التنظيمية الدولية.

ستتطلب النجاح في تنفيذ هذه الاستراتيجية المزج بين خمسة عناصر مترابطة[4]:

 

    1. الاندماج: إقامة حوار وثيق ومستقل بين الحكومة والقطاع الخاص لفهم حواجز الاستثمار والفرص بشكل أفضل.
    2. التنسيق: ضمان التعاون الفعال بين الهيئات الحكومية للاستجابة بسرعة للتحديات الاقتصادية الناشئة.
    3. المراقبة: تقييم السياسات باستمرار لإجراء تعديلات مبنية على البيانات ونتائج الواقع.
    4. المحاسبة: محاسبة الشركات على الدعم الحكومي، الذي يُقاس غالبًا بأداء الصادرات ومقاييس الإنتاجية الأخرى.
    5. تطوير المؤسسات: تعزيز الأطر المؤسسية لضمان استدامة السياسات على المدى الطويل.

من خلال التركيز على هذه العناصر، يمكن لمصر تصميم سياسة صناعية ديناميكية وقابلة للتكيف تعالج إخفاقات السوق، وتعزز الإنتاجية، وتضع البلاد في موقع تنافسي على الساحة العالمية، مع التماشي مع أفضل الممارسات الدولية. وبالتكامل مع السياسات التجارية الفعالة، لن تسهم هذه الاستراتيجية في تخفيف التحديات التي تفرضها آلية تعديل الحدود الكربونية وغيرها من الضغوط الخارجية فحسب، بل ستعزز أيضًا المزايا الاستراتيجية لمصر لتطوير النمو الاقتصادي المستدام، وتأمين موقعها في الأسواق العالمية، وتعزيز إمكاناتها التصديرية.

 


[1] GTA. Latest State Acts. https://www.globaltradealert.org/latest/state-acts/implementing-jurisdictions_61/period-from_empty/period-to_empty

[2] OCED “Egypt Industrial capabilities” 2020

[3] World Bank Country Climate and Development Reports (CCDRs)2021

[4]  Dani Rodrik and Joseph E. Stiglitz. “A New Growth Strategy for Developing Nations.” 2024

أقرأ المزيدأقرأ أقل

لا تعليقات

اترك تعليقاً